من يتابع الفضائيات الدينية، أو يلتقي عناصر متحمسة لدعواتها، أو ندوات تلتقي فيها أطراف كلّ واحد منهم يريد انتزاع الاعتراف بآرائه وأفكاره، يُصدم بالواقع الصعب المعقد، حيث إن ساء الحوار وفق المنطق الموضوعي، فالنهايات هي صراخ وتخوين وانفعالات قد تؤدي إما إلى المقاطعة والانسحاب، أو استعمال قوة العضلات..
ما كُتب عن حروب الأديان وصراعاتها ونتائجها المأساوية لم تعالج بقوانين وقرارات ملزمة عالمياً، لأنها جزء من فلسفة صوغ الأهداف العليا للدول الكبرى وتأجيج الصراع بين الجماعات المستفزة والتي أصبح الدين منطلقها الأساسي في تحريك شعوبها للدفاع عن وجودها وكرامتها.
وعالمنا الإسلامي باعتباره الديانة الكبرى واجه من خارجه حملات مركزة تحت مسميات «عولمة الحضارة» أو صراع الأديان والحضارات حيث وضع في قمة المواجهة لاعتبارات تاريخية ودينية لا تزال في عمق الشعور العام الذي يُبنى عليه تأجيج الخلافات والصراعات..
الطرف الخارجي محسوم أمره من خلال معرفة عقائده وأفكاره، لكن حين نحصر التباينات بين أصحاب الدين الواحد، ونرى الانقسامات بين الشيعة والسنة، ثم من داخلهما تأتي تفرعات الطوائف والجماعات التي تكفر بعضها بعضاً وتريد حسمها بالمذابح، نجد أن دعوات الوسطية واللقاءات بين المعتدلين من كل الأطراف، ليس لها التأثير الموازي للدعاة من أصحاب التطرف في تجنيد الشباب لحرقهم في أتون مرجعيات تعطي فتاوى الكراهية ونبذ الآخر، وقد تداخلت المكاسب الشخصية مع المذهبية في زواج لا طلاق فيه، حتى إننا لا نستطيع حسم مشكلة الهوية في ميادين حروب المذاهب من خلال إعلام مسيّس يصل إلى كل بقاع الدنيا ما جعل الفضائيات ثم وسائل التقنيات الأخرى أهم محرك في استغلال المشاعر، وجعلها في حالة تصادم وافتراق..
الوضع السياسي في معظم الدول العربية والإسلامية ساهم في تعميم الفوضى القائمة حتى إنه لم يعد للحكومات السيطرة على الفضائيات والتواصل الاجتماعي، ولذلك أحدثت هذه التقنيات قفزات للمجهول وخاصة في المجال الديني، حتى إن الرؤية الضبابية لنتائج المستقبل تضعنا أمام مستحيل متعذر، أن تلتقي هذه المذاهب والطوائف على قاسم مشترك بينها يحسم الجدل حول الخلافات بميثاق إسلامي يقبل التعايش بسلام لأن اختلاط الهدف الديني بالسياسي والقومي ثم الاعتقاد أن أحد أصحاب الخلاف هو من الفرقة الناجية باعد بينهم وخلق فراغاً يتسع كل يوم ليملؤه المتطرفون من كل المذاهب.
لم يعد الخلاف على الجزئيات، وإنما خرج للتعميم على الكليات ولذلك سعى كل مهتم بهذه الشؤون إلى طرح الأسئلة التي لا تلتقي على جواب حين يرى البعض تخليص الإنسان من هذه المصادمات بجعل الدين لله والوطن للجميع، وآخر يرى الحل بتشريعات علمانية تساوي بين الجميع تحت مظلة نظام ديمقراطي تعددي إلى آخر تلك الطروحات، لكن هل يمكن تجاهل عقيدة هي في صلب فكر ووجدان المجتمع الذي يراها الحل وحده، ويرى في شيخه أو إمامه مصدر التشريعات؟!
المحرقة تكبر، ونحن وقودها، وفي غياب عقل واعٍ فالكل خاسر..