تردد صدى في فضاء الإعلام عن الخوف من حرب أهلية في مصر والذين يرددون هذا الصدى في الغرب أو في الشرق لم يفهموا حتى الآن مصرية المصريين وسر حضارتهم وصبرهم ولم يدركوا حقيقة ثوراتهم على إمتداد التاريخ:
- إن دولا غربية لم تخف قلقها ، وشكها في قدرة الشعب المصري على عبور هذه المرحلة دون حرب أهلية وقد نلتمس العذر لأهل الغرب ،ن فأمانيهم تتفق مع مصالحهم ، ورؤاهم ثمرة دراستهم للظواهر الإجتماعية ، كما يقدمها المستشرقون منذ القرن السابع عشر ، إنهم يطبقون القوانين العلمية على المادة و الأشياء وعلى البشر ، لكنهم لم يتعمقوا في أبناء الشرق عامة و أبناء مصر خاصة ، ولم يدركوا حقيقة الوجدان المصري، لأن الوجدان ثمرة تراث متراكم عبر القرون من القيم ، ولقد درس الغرب الأحوال في كافة العالم العربي ولكنه لم يستطع أن يكتشف ظاهرة الوجدان المصري لاحظ وحدة الثقافة المصرية و التقاليد ، ولكنه لم يلحظ لماذا يصوم كثير من الأقباط شهر رمضان ، ولماذا يجل المسلمون كل شخصية السيد المسيح وأمه مريم المصطفاه ويشترك المصريون في الموالد و الأعياد ، لاحظ وحدة المصريين في الأفراح و الأحزان لكنه لم يلحظ وحدتهم وتضامنهم ونبل أخلاقهم أمام الكوارث و المآسي ، إنها نظرة الإستشراق للعالم العربي ولمصر ، نعم فيها علم وموضوعية ، وفائدة كبرى ، ولكنها فيها جهل لظاهرة وحدة الوجدان و الدم و التاريخ فلم يعرف عن مصرى أنه يتعصب لجنس أو لون أو عرق و إن كان الدين أحياناً يستغل لأحداث مأساوية إلا أنها رياح عبارة لا تهز الجذور.
- نلتمس العذر لأهل الإستشراق لكننا لا نلمسه لأهلنا من بني أمتنا العربية الذين يرددون مقولة الحرب الأهلية دون وعي أو لدوافع سياسية ضيقة أو ربما لإختلاف تكوين المجتمع عندهم ، وخلال سبعة آلاف سنة لم تعرف مصر حربا قام فيها الشعب على الشعب ، أما لماذا يستحيل قيام حرب أهلية بمصر فيمكن أن نرصد بعض هذه الأسباب بوضوح .
- الحرب الأهلية : هي أن يقوم جماعة أو قسم من البلاد ضد قسم آخر ، أن ينقسم الشعب في لحظة غضب أو إحتجاج إلى قسمين متحاربين ، وأن تكون لهذا الإنقسام جذور عميقة في إختلاف عرقي أو مذهبي .. فهل هذا الأمر موجود على الساحة المصرية ؟ أليس هذا مدعاة للسخرية والضحك؟، هل توجد منطقة جغرافية أو سكنية واحدة تقتصر على فئة بعينها في مصر ؟ هل يوجد شارع أو حارة خاصة بمذهب أو ملة ؟
- الشعب المصري من حلايب وشلاتين وأسوان إلى الإسكندرية ومطروح شعب غير دموي ، ينفر من القسوة و العنف و الظلم ، لم تقم ثورة من المسلمين ضد الحاكم الظالم إلا وشارك فيها المسيحيون ويمضى التاريخ ليحكي نهضة محمد على ، وثورة عرابي وجمال عبد الناصر ، وتوجت كل هذه الثورات بثورة 25 يناير 2011 ثم ثورة 30 يونيو 2013 ، لم نشهد في ذلك كله مذابح من المصريين ضد المصريين ، إنه شعب طبع بسمات النيل الوديع المتدفق بالخير و النماء ، وتعلم من ثبات الأهرام في شموخها وقوتها ، وتعلم من إشراقة الشمس على وجه أبي الهول معنى إستقبال النور و الحياة و التفاؤل ، وفي الأقصر تبدو عبقرية المصري وحبه للسلام ورحابة إيمانه وتقواه في معبد كليوباترا حيث يرقد المعبد الفرعوني منذ آلاف السنين في أمن وسكينة ، وتعلوه كنيسة قبطية وفوق الكنيسة بنى جامع ، هل في الدنيا مشهد للمحبة و التسامح وقبول التعدد و التنوع أجمل من هذا ؟ فكيف تقوم حرب أهلية عند شعب بهذا الإيمان و الميراث الديني ؟ مهما ألقت بسمومها ألسنة الشر و الجهل .
- المصريون كافة المسلمون و المسيحيون ، لهم ثقافة إسلامية واحدة وبجانبها ثقافتهم التاريخية والدينية ولا تعارض بينها ، ولا صراع لأن العقل المصري قد إستوعب الثقافات كافة ، نحن موحدون ثقافة وتراثا وتقاليد ومتنوعون عقيدة ومذاهب ،وعند لحظة الخطر ، وفي الثورات تتوارى كل هذه الإختلافات وتبدوا مصر هي الأم الغالية و الحياة والمصير ، إنها إبنة الشمس و النيل كما عبروا عنها ، أعيادنا لنا جميعا ، فهل يمكن أن تقوم حرب أهلية بين أبناء أمة ليست فيها عنصرية أو قبلية ، من أصل واحد ، و الإنتساب إلى الإشراف أو القبائل نوع من الفخر و الإعتزاز لا يمزق وحدة المجتمع فمتى يكف المتشائمون عن القول بحرب أهلية ، إنه رهان فاشل خاسر لا محالة لقد هزت ثورة 30 يونيو رؤى العالم أجمع إنها مصر التي تؤدي دورها ورسالتها الإنسانية منذ أن علمت العالم الإيمان بالواحد قبل الأديان السماوية .
- لمصر جيش عظيم ، وقيادة وطنية خير أجناد الأرض أصولهم كافة من أعلى قيادة إلى أصغر مجند من الفلاحين و العمال و الموظفين ، من وجدانها التقي ، من ذكرها في الكتب المقدسة ، إنهم رجال يستحقون الإجلال و التقدير ، ليس في تاريخ جيشها خيانة واحدة ، أو إنقسام واحد ، أو إنحراف عن الوطنية الصادقة ، بهذا الجيش إستطاع محمد علي أن يطرق أبواب الأستانة ويهزم دولة العثمانيين ، بهذا الجيش مع الشعب تحدى جبروت الخديوي برغم إستعانته بالمستعمر الإنجليزي ، وتجسدت الروح المصرية في عرابي الثائر وهذا الجيش قدم للوطن جمال عبد الناصر و أعوانه ، و أعاد لمصر مكانتها ودورها ، ولا ننسى أن الذين يديرون الدولة ورموز السياسة والثقافة وأئمة الدين وأعلام الأدب و الفن الذين تخطوا الستين من العمر هم ثمرة لثورة عبد الناصر الزعيم الفذ الذي إنتمى للشعب وهو لا يزال حيا في وجدان الشعب ، هذا الجيش إنتفض لينصر ثورة 30 يونيو ليس إنقلابا عسكريا فقد إنقضى عهد الإنقلابات وإنما هي ملحمة مصر التي يكتبها شعبها ويحميها جيشها ، فهل يمكن لهذا الجيش مهما تكالبت قوى الشر أن يسمح بحرب أهلية ؟ مضى عهد مبارك بثورة ، ومضى عهد من بعده بثورة فلماذا نقول أنه إنقلاب ؟
- لقد أشرق فجر جديد على مصر ، وبزغت القوة الحقيقية التي ستبني مستقبل مصر ، وقوة صامدة لم تكن في حسبان أعتى مراكز البحوث ، إن مصر قد ولدت جيلا جديداً ، نعم ففي الأفق بشائر عودة مصر إلى حيويتها وشبابها ، إن عصراً كله أمل وثقة في شباب ثورة 25 يناير و 30 يونيو 2013 ، لا عودة إلى الوراء ، ولا تخلف ، إن مصر حديثة متحضرة ولد مع الشباب الواعي الناضج وهذا الشباب لن يسمح بحرب أهلية ، وهذه التداعيات التي تحدث من عنف وقسوة إنما هي ظواهر وقتية عابرة بإذن الله لأن مصر وشعبها أمسكوا بناصية التاريخ من جديد ، فلماذا لا يقر الجميع بأن عصرا جديدا دخلته مصر ؟