الاعتزاز والافتخار إنّما يكونبالانتماء للإسلام، والانتساب إلى جماعة المؤمنين، والعمل لنصرة الإسلام وعزّة المسلمين. قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وقد أحسن الشاعران حيث قالا:قال الأوّل أبي الإسلام لا أب لي سواه …..إذا افتخروا بقيسٍ أو تموقال الثّاني:إن يختلف ماء الوصال فماؤنا … عذبٌ تحدّر من غمامٍ واحدأو يفترق نسبٌ يؤلّف بيننا…… دينٌ أقمناه مقام الوالدمن مظاهر الفساد الذي عاث في الأمة، وغرقت فيه بعد أن تخلّت عن مفهوم الولاء والبراء الأساسي لعقيدة الإسلاميّة، عقيدة التوحيد أنْ وقع كثيرٌ من المسلمين في محبّة الكفّار، وتعظيمهم ونصرتهم على أولياء الله، وفي اعتزازهم وافتخارهم بالحدود المصطنعة التي رسمها لهم الكافر المستعمر، وخير دليلٍ على ذلك فيما يرفعونه من شعاراتٍ ترسّخ وتعمّق مفاهيمه، من مثل قولهم: “ارفع رأسك فأنت أردنيٌّ”.
لقد آلم هذا الشّعار كثيرًا من إخواننا المغتربين الذين يعيشون بيننا، فقد قال أحد السوريين لرب العمل الذي يعمل عنده: أنتم تقولون: “ارفع رأسك” فماذا نفعل نحن؟ وقد كان ربّ العمل حصيفًا، فأجابه قائلا: “لا تقل أنتم ونحن” كلّنا إخوةٌ، قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا ُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾. [الحج:
“ارفع رأسك” هذا قولٌ يذكّرني بما قاله الأستاذ “يعقوب السّكافي”رحمه الله قبل ثلاثين عامًا حين جاء ابنه “محمود” ليزوره على شبك الزّيارة في سجن المحطّة، وعمره لم يتجاوز عشر سنين، وقد رآه أبوه مطأطئَ الرّأس حياءً، فقال له أمام الزوّار جميعًاارفع رأسك يا بنيّ، فإنّ أباك لم يسجن على قضيّةٍ الشّرف لا قدّر الله، بل سجن على قضيّةٍ تشرّفك وتشرّف أباك وجميع أهلك، لقد سجن أبوك يا بنيّ؛ لأنّه يعمل لإقامة دولة الخلافة الرّاشدة على منهاج النّبوّة”.إنّ من أعظم الأسباب التي أدّت إلى تأخُّر الأمّة وتخلُّفها نشوء النعرات العصبية والنعرات القوميّة، ولكن جمعهم الله تحت لوائه، لواء لا إله إلاّ الله، محمدٌ رسول الله. يقول جلّ في علاه: ﴿وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. [الأنفال: 62-63]
وإزاء هذا القول نقول: وطننا وأرضنا وسماؤنا وهواؤنا وتنفُّسنا هو: “لا إله إلا الله، محمّدٌ رسول الله” من عمل بمقتضاها فهو أخٌ حميمٌ، ولو كان عبدًا حبشيًا! ومن رفضها فهو عدوٌ لدودٌ، ولو كان حرًا قرشيًا!
لقد جمعت هذه العقيدة صهيبًا الروميّ، وبلالاً الحبشيّ، وسلمان الفارسيّ، وأبا بكرٍ العربيّ القرشيّ تحت رايةٍ واحدةٍ، هي راية الإسلام، وتوارت العصبيّة، عصبيّة القبيلة والجنس والقوم والأرض، وها هو مربّي هذه الأمّة وقائدها – عليه الصّلاة والسّلام – يعلّم ويربّي إذ يقول لخير القرون كلّها مهاجرين وأنصار: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ».. وما هي؟ إنّها صيحةٌ نادى بها أنصاريٌّ: يا للأنصار، وردّ مهاجريٌّ: يا للمهاجرين فسمع ذلك رسول الله وقال: «مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّة؟» قالوا: يا رسول الله كسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ». (رواه البخاريّ). ومعنى قوله: “كسع”: أي ضربه على دبره بشيءٍ. وقال صلى الله عليه وسلم: «لَيسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ». (رواه مسلم)