تحدث خبيران مختصان بالقضية الفلسطينية عن واقع القضية ومستقبلها، في ظل حالة تراجع الاهتمام العربي والدولي، تزامنا مع الذكرى الثانية والسبعين للنكبة الفلسطينية، مؤكدَين أن القضية تعيش مرحلة خطيرة جدا وحساسة للغاية.ويحيي الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، الجمعة، ذكرى نكبة فلسطين الـ72، وهي الذكرى التي تعيد للذاكرة ارتكاب العصابات الصهيونية عام 1948 أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، وتشريد ما يزيد عن 800 ألف من أبناء الشعب الفلسطيني من بيوتهم وأراضيهم.
اللحظة السانحة
وحول قراءته لواقع القضية الفلسطينية في ظل تراجع الاهتمام العربي والدولي، أوضح الباحث الفلسطيني المختص في الشؤون الأوروبية والدولية، حسام شاكر، أن “القضية اليوم تواجه عمليا محطة زمنية بالغة الأهمية، حيث اكتملت معالم المشروع الاحتلالي الذي كان يراهن على تمضية الوقت فيما سمي بعملية السلام في الشرق الأوسط، على مدار نحو 3 عقود، لفرض واقع احتلالي بشكل معين”.ونوه شاكر في حديث خاص لـ”عربي21″، إلى أن “محصلة الأمر على صعيد القضية؛ أن الاحتلال يقوم بفرض سيطرة شاملة وقضم كامل لمساحات واسعة جدا من الضفة الغربية، التي كان يفترض أن تقوم عليها دولة فلسطينية مستقلة وفق مشروع الدولتين، وليس حل الدولتين؛ لأنه لم يكون حلا في حقيقته وجوهره”.وتابع شاكر: “اتضح الآن أنه ليس للاحتلال مشروع سلام، وإنما مشروع سيطرة واستدامة الاحتلال، وفي الوقت ذاته، كان يراهن على إخضاع الجانب لفلسطيني والقرار الرسمي وقوى الأمن الفلسطينية، لواقع من الارتهان لمعادلة معقدة ومصيد كاملة من قبيل اتفاق أوسلو وما ترتب عليه من اعتماد على إيرادات خارجية ومانحين دوليين، إضافة للاتكال على وجود راعٍ للمفاوضات؛ هي الولايات المتحدة التي كانت تقف إلى حد كبير مع مصالح الاحتلال ولفت إلى أنه “مع تشكيل الاحتلال لحكومة وحدة، تواجه القضية المحطة الأكثر وضوحها في مساعي الاحتلال للسيطرة واستدامة واقعه، وتحظى في هذا بغطاء غير مسبوق من قبل الإدارة الأمريكية”، مؤكدا أن “الاحتلال يراهن في هذا الظرف، على كسب اللحظة السانحة، تحديدا، من خلال وجود إدارة أمريكية توشك ولايتها الأولى على الانتهاء؛ وهي أكثر الإدارات التصاقا بمصالح الاحتلال”. وبين الباحث، أن “الاحتلال يحرص على أن ينتزع المزيد من المواقف الأمريكية الداعمة له، والقيام بخطوات لم يجرؤ على القيام بها في السابق، قبل أن تنتهي هذه الولاية (ولاية ترامب)، وجاء هذا الأمر واضحا في محطات عدة؛ في القدس، والاستيطان، والجولان، والحديث عن ضم الضفة”.ونبه إلى أن “الاحتلال يحاول الاستفادة من هذه اللحظة السانحة، وكذلك الاستفادة من موسم كورونا، حيث الغياب النسبي للمجتمع الدولي، لتمرير خطوات قاسية من قبيل ضم مساحات واسعة من الضفة”.من هذا المشهد، تحدث عن “تحد كبير” يواجه القضية الفلسطينية، وذكر أن “البيت الداخلي الفلسطيني، لم يتهيأ لهذا التحدي، وتحديدا القرار الرسمي الفلسطيني، الذي لم يعبر حتى اللحظة عن استجابة لطبيعة الضغوط، وما زال هذا القرار يلوح باحتمالات اللجوء إلى التخلي عن اتفاقات ونحوها، ولكنه وقع في مصيدة ومحاصر داخلها، ودون الخروج من هذه المصيدة من الصعب الحديث عن قرار فلسطيني قادر على التجاوب مع هذه المرحلة”.وأشار إلى أن “القيادة الحالية الفلسطينية التي أبرمت هذه الاتفاقات ما زالت في موضعها ولم تتزحزح، وهذا إشكالية كبيرة في التعامل مع هذه الظروف”، معتبرا أن “أحد أكبر التحديات، هو غياب القيادة الفلسطينية الرسمية المهيأة والمستعدة للإقدام على مسار تحريري وحمل مشروع وطني، ولكنها قيادة تصريف أعمال واستجابات مؤقته، لما يفرضه الاحتلال على الأرض، دون أن تملك هذه القيادة خيارات حقيقية في الواقع، خاصة مع كبح الشعب، لأنها لا ترى في الانتفاضة خيارا ولا في المقاومة التي تلاحقها”.ونبه إلى أن القيادة الرسمية الفلسطينية الحالية، “لا تملك أوراقا في جعبتها سوى مناشدات دولية وتحركات دبلوماسية، أثبت الواقع أن هذه المحاولات غير قادرة على أن تغيّر في معطيات الأمر الواقع على الأرض، وفي المقابل يفرض الاحتلال على الأرض وقائع متعددة على مساحة فلسطين التاريخية”.ولكل منطقة بحسب شاكر، “نظام خاص، فهناك تعامل خاص مع الوجود الفلسطيني بالداخل المحتل عام 1948، مع احتمال إخراج بعض المناطق ضمن ما يعرف بتبادل الأراضي، كما أن هناك واقعا خاصا بالقدس وآخر بالضفة بحسب تقسيمات “أ، ب، ج”، إضافة لقطاع غزة وحالة العزل والحصار المفروض عليه”.وتابع: “ضمن هذه المعادلة، أدار الاحتلال المجموع الفلسطيني بطريقة تقوم على التفتيت، وتخصيص كل حالة بأنماط وسياسيات معينة، مما يضعف الحالة الفلسطينية على التحاور الجماعي المتشارك معا”، لافتا إلى أن “الاحتلال في الضفة التي هي ألصق بالعمق الاستراتيجي له، أوجد وقائع من الصعب فيها أن تتشابك التجمعات السكانية الفلسطينية، وفرض نوعا من التفتيت والعزل والمعازل السكانية داخل الضفة، وهذه نكبة جديدة”.
وأشار إلى أن “ما يجري الآن من حملات متلاحقة من الاحتلال للسيطرة على الضفة، هي نكبة متجددة، تتجدد فيها معطيات النكبة، وتجعل الحياة الفلسطينية في معازل سكانية في محيط احتلالي، مع كماشة تضيق الخناق عليها، إضافة لهذا، الشتات الفلسطيني في اللجوء والمنافي، يواجه تحديات شاقة، خاصة مع أماكن تمركز هذا الوجود، واليوم ثمة معطيات اقتصادية واجتماعية ضاغطة جدا على هذا الوجود الفلسطيني بالخارج؛ بشكل خاص في لبنان، وسوريا، ومخيمات الأردن”.وأكد أن “اللحظة الفلسطينية الراهنة حرجة جدا، وما زال الشعب الفلسطيني قادرا على أن يربك معادلات الاحتلال ولم يرفع الراية، رغم أن لديه مشكلة في القرار الرسمي، لكن الوجوه الشعبية متماسكة على مطالب أساسية يصعب أن تتخلي عنها”، منوها أن “القضية لا زالت حية بعد 72 عاما على النكبة، وهي حاضرة على المسرح الدولي، وهذا معطى بالغ الأهمية في حسابات التاريخ، بأن الاحتلال ليس لديه أمان مستقبلي”.وبين أن “الاحتلال في موسم كورونا، شعر بارتباك كبير وما زال يشعر، لأن هذه لحظة تحولات محتملة في المحيط، وهي تضغط بشكل ما على بعض قدراته الداخلية”، مضيفا: “في المحيط الإقليمي، يمكن افتراض وجود مخاضات مقبلة؛ لأسباب اقتصادية، واجتماعية، وربما صحية، بناء على موسم كورونا الحالي، وهذا ليس مريحا للاحتلال؛ بأن يجد تحولات من حوله في المحيط”.ومع هذه التطورات، فإن “الحس الاستراتيجي لدى الاحتلال يشعر بقلق من هذه التحولات المحتملة”، بحسب المختص الذي ذكر أن “التوازنات الدولية تشهد نوعا من الحراك النسبي الذي يمكن توقعه بسيناريوهات شتى مع الأزمة العالمية القائمة، وهذا يلاحظه الاحتلال، بمعنى أن المعطيات الاستراتيجية الدولية تواجه أسئلة مفتوحة، والاحتلال معني أن يقرأها، وهذا يشير إلى أن الاحتلال ليس لديه ضمانات مستقبلية مؤكدة، بشأن قدرته على استمرار مشروعه بالشكل الذي يأمله”.وأردف: “ما زال هناك شعب على الأرض، وفكرة إخضاع شعب بالمطلق إلى الأبد؛ هي فكرة وهمية لا يمكن أن تتحقق، لذا سيبقى الاحتلال معنيا بتكبيل الشعب الفلسطيني وتفتيته وإخضاعه وحصاره، ولكنه لن يستطيع أن ينهي وجوده، أو أن ينزع منه إرادة المطالب بالحقوق والعدالة والتحرر”.
نكبة مستمرة
وحول الواقع العربي، ذكر أنه “يواجه مأزقا جسيما، لانهيار العمل العربي المشترك وصعود خطاب التطبيع، الذي هو خطاب ارتهان لمشروع الاحتلال في حقيقته، وهو تحد كبير للقضية الفلسطينية من جانب، وأيضا تحد خطير للأمن القومي العربي ولاستراتيجيات الدول، إذ يترتب عليها نوع من الخضوع للهيمنة الخارجية، وعنوانها الوكيل الإقليمي متمثل بالاحتلال الإسرائيلي”.ومضى بقوله: “الواضح أنه يتسيد المنطقة بشكل أو بآخر، قائم على وجود تفتيت إقليمي وغياب الروح الجماعية لصالح أجندة ضيقة، لبعض الحكام في المنطقة، بشكل بعيد عن المصالح السياسية الحقيقة؛ السياسة والاستراتيجية والاقتصادية للبلدان”. من جانبه، أكد مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “مسارات”، هاني المصري، أن “القضية الفلسطينية في وضع صعب وخطير وحساس جدا، ونحن في نكبة مستمرة، ونحن على مرحلة أخرى على طريق استمرار هذه النكبة، باستكمال تطبيق رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (صفقة القرن)”.وأوضح في حديث خاص لـ”عربي21″، أن “الشعب الفلسطيني لا يزال على أرض وطنه، ولا تزال القضية الفلسطينية حية، ولا يزال شعبنا مصمما على الكفاح، ولكن ينقصه القيادة التي تمتلك الرؤية والإرادة، والقادرة على تحقيق الوحدة، وتستوعب الدروس والتجارب وتتراجع عن الأخطاء وخطايا المرحلة الماضية، وتشق طريقا جديدا قادرا على الانتصار”، وهو ما يتوافق مع حديث المختص شاكر.وعن المطلوب لاستعادة القضية الفلسطينية مكانتها المتقدمة، نوه المصري المقيم في الضفة الغربية المحتلة، إلى أهمية “المبادرة والرهان على الشعب بشكل أساسي، وليس على إسرائيل والانتخابات الإسرائيلية وعلى أمريكا والانتخابات الأمريكية وعلى أوروبا والمجتمع الدولي، مضيفا: “كل هذه المسائل لن تعطي أكلها إذا لم نراهن على الشعب الفلسطيني”.وقال: “إذا كانت لدينا مبادرة ونؤمن بأننا قادرون على الفعل، وليس شعور العجز والهزيمة هو المسيطر؛ هذا ما سيغير موازين القوى”، مشددا على ضرورة “جمع عدالة القضية الفلسطينية مع أوراق القوة والضغط الكبيرة؛ الفلسطينية والعربية والدولية، ضمن استراتيجية واحدة وسياسة فعالة”.ونبه مدير عام المركز الفلسطيني، إلى أنه “ما دام الشعب الفلسطيني مصمما على مواصلة كفاحه، سيوجد الأدوات المناسبة لمواصلة المسيرة، خاصة أن القيادة على ما يبدو وصلت إلى أواخر عمرها ولطريق مسدود، ولا تنوي تجديد نفسها أو تغيير أدواتها وسياساتها وأشكال عملها، وهذا يطرح المسؤولية على عناصر وقيادات جديدة، أن تقوم بالمبادرة وتتولى المسؤولية”.