يلعب التعليم دورًا رئيسيًا في دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جميع المجتمعات، وفي جمهورية صوماليلاند التي خرجت من أتون قمع عسكري أدّى إلى حرب أهلية مطولة مزقت النسيج الاجتماعي للمجتمع، لم يكن قطاع التعليم مستنثى من الدمار الذي أصاب الأرض والإنسان، إلّا أن الكثير قد نجح الشعب في صوماليلاند وحكومتها في تحقيقه، وعلى الرغم من التقدم الإيجابي، لا يزال معدل الالتحاق بالتعليم الأساسي وإتمامه منخفضًا، لا سيما أن الفتيات ممثلات تمثيلا ناقصا في المدارس.
ومن خلال المساعي المخلصة لإعادة إعمار الجمهورية الشّابة ، بذلت جهود لتعزيز قدرة نظام على توفير فرص متساوية لأي إنسان راغب في التعلم، كان هذا التقدم ممكناً بفضل المساهمة المالية السخية من شركاء التنمية المحليين والدوليين. من خلال الجهود الهادفة ، لزيادة عدد الفتيات والفتيان اللذين التحقوا بالمدارس أو استفادوا من التدريب على المهارات المختلفة.
تاريخ التعليم في صوماليلاند
ساهم أبناء البلاد منذ القدم في تقدّم التعليم في القرن الإفريقي، فعلى أرضهم قام الشيخ يوسف الكونين بوضع الأسس لتعليم اللغة العربية في القرن الثالث عشر،و طاف تلاميذه ومريدوه في أنحاء القارة الإفريقية والحجاز والشام ومصر، ينهلون من العلم ويقدّمونه بجهود مخلصة لم تنقطع، كما ونادى المناضل الوطني حاج فارح أومار الشعب بإدراك أهميّة التعليم، والإنفاق على تعليم الأطفال، ونهض التربوي الكبير محمود أحمد علي من بين أبنائه المثقفين، لييصبح واحداً من أهمّ الشخصيات التربوية في تاريخ القرن الإفريقي، واستمر التعليم في البلاد معتمداً على التعليم الديني والأساليب التقليدية، لكن مع دخول الاحتلال الغربي ظهر التعليم الحديث، والذي استمرفي النمو، رديفاً للتعليم التقليدي الذي يتمسّك به أهالي صوماليلاند، نظراً للاعتماد عليه في تعلّم اللغة العربية والعلوم الدينية كالقرآن والعقيدة والفقه والحديث.
ومع قيام جمهورية صوماليلاند في 18/05/1991م، ونهوض أبنائها لبناء وطنهم، و تضميد جراحهم، كان القطاع التعليمي حجر أساس، لإعادة الحياة الطبيعية إلى مسارها، ونشر الأمل بين أبناء الشعب للتمسك بالحياة المثمرة المتوقّعة منهم، كمسلمين مؤمنين بالله، ومنتمين لقبائل صومالية متمسكة بدينها وفخورة بأصولها وتراثها، وساعية إلى بناء دولتها التي تضمن لها أسمى درجات المساواة والتقدّم، في ظلّ جهود شعبية جماعية تضمن الأمن والسلام في ربوعها.
الهياكل والمبادرات
تنفق جمهورية صوماليلاند ما يقارب من عشرة في المائة من ميزانياتها (9.24%) على قطاع التعليم بقيمة تقارب ثلاثة وعشرين مليون دولار، تنقسم إلى بنود كنفقات وزارة التعليم والعلوم، وإدارة التعليم العاليم، واللجنة الوطنية للتعاليم العالي، وتأسست اللجنة الوطنية للتعليم العالي (NCHE) في أغسطس 2011 بموجب قرار رئاسي كهيئة اعتبارية لتقديم سياسة وطنية للنهوض بالتعليم العالي في جمهورية صوماليلاند، وتقوم اللجنة منح التراخيص للمؤسسات الجامعية، وضع سياسة وتطبيق نظام لضمان الجودة في قطاع التعليم الجامعي، إضافة إلى تصديق الشهادات التعليمية بدءًا من الدبلوم، منذ عام 2017 ، دعمت مبادرة (التعليم لا يمكن أن ينتظر ECW) االجهود في جمهورية صوماليلاند لمعالجة معدلات الالتحاق المنخفضة والبقاء في المدارس ، وخاصة بالنسبة للفتيات،
التعليم المدرسي والعالي
بعد سقوط النظام العسكري ورجوع اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم، عاد أبناء صوماليلاند إلى نظام تعليمي منهار، نظراً للدمار الذي لحق بالمدارس من جهة، وتفكك البنية الإدارية الحكومية للتعليم، فكان لزاماً على أهالي صوماليلاند أخ المبادرة بالتعاون مع الحكومة والمنظمات المدنية المحلية والإسلامية والدولية، لإعادة بناء المنظومة التعليمية من الصفر تقريباً، في ظلّ الفقر المنتشر، وضخامة العقبات نظراً اتساع حجم الاحتياجات الأساسية للحياة، ناهيك عن البحث عن فرص التعليم وتقديمها.
وعلى مدى العقود الثلاث الماضية، نهض القطاع التعليمي نهضة كبيرة، فبلغ عدد المدرسين أكثر من سبعة آلاف ومائتي مدرس، وعدد الطلبة قريب من ربع مليون طالب، تضمهم أكثر من 1300 مدرسة تحوي قريباً من سبعة آلاف ومائتي فصل دراسي، إلاّ أنّ البلاد لازلت تواجه تحديات كبيرة مع انخفاض نسبة الملتحقين في الدراسة إلى أقل من 50%، ووجود التوقعات بوصول مجموع المواطنين البالغين سنّ الدراسة (6-17 سنة) يقارب مليوناً ونصفًا، ما يكشف حجم الجهود التي يجب بذلها، لتغطية الطلب المتزايد على الفرص التعليمية في ظلّ قلّة الإمكانيات.
كما شهد قطاع التعليم العالي تقدّماً كبيراً، فبعد أن كانت تفتقد البلاد وجود مؤسسة تعليم جامعي واحدة، فقد أصبح في متناول خريجي الثنويات العانة أكثر من عشرين مؤسسة تعليمية جامعية وتقنية ما بين القطاع الحكومي والخاص، زيد عدد الملتحقين بها أكثر من ثلاثين ألف طالبة وطالب، وتسعى الأجهزة الحكومية والمنظمات المدنية الاستجابة للدعوات التي ينادي بها تربويون ومثقفين بضرورة تحقيق تقدّم في التشريعات والموارد بما يضمن رفع جودة التعليم الجامعي والعالي، بهدف الاستجابة لحاجات السوق المحلية، ومنح الخريجين فرص العمل والتوظيف في الداخل والخارج، وبل المزيد من الجهود لتطوير مجالات البحث العلمي بما يجعل التعليم دافعًا حقيقيًا للتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
مستقبل التعليم في صوماليلاند
مع كون الشعب الصوماليلاندي من الشعوب الشابة 52% دون سن 18، فإنّ قطاع التعليم يبقى واحداً من أوسع القطاعات الخدمية نموًّا في البلاد، إذ من المتوقع أنّ يبلغ الإنفاق على قطاع التعليم قريبًا من نصف مليار دولار سنويًأ، وهو ما يجعله فرصة كبيرة للاستثمار والتطوير، كل ذلك مترافقاً مع تطبيق سياسة التعليم الوطنية (NEP 2015-2030) ، والتي في حال بلوغها أهدافها، فإنّه من المتوقع صعود كبير في جودة التعليم في البلاد، من خلال المدخلات والمخرجات، والدفع باقتصاد البلاد بالمجمل إلى الأمام، تحقيقًا لآمال شعب بذل الكثير لتحقيق السلام والديمقراطية، وأنجز شوطاً كبيراً في إعادة إعمار بلاده، ويسعى لجني ثمار كل تلك الجهود للوصول إلى النمو والازدهار.